بقلم عاصم| هيروديكوس
ما معنى أن تكون طبيباً في دولة انتشر فيها فيروس كورونا؟ كيف سيكون يومك وكيف سيكون روتينك؟ ترجمت لكم قصةً يرويها كريج سبنسر مدير الصحة العالمية في طب الطوارئ في المركز الطبي بنيويورك، بعد أن أصبحت نيويورك أكثر مناطق الولايات المتحدة إصابةً بالفيروس.
تستيقظ في الساعة السادسة والنصف صباحاً، حيث تُعطي الأولوية لوعاء كبير من القهوة يكفيك طوال اليوم، لأن المكان المخصص للقهوة في المستشفى مغلق. ستاربكس أيضاً، كل شيء مغلق. أثناء السير تشعر بأن العالم مهجور، لا أحد في الخارج أو أن الوقت مُبكر. بغض النظر، هذا شيء جيد يدل على التزامهم.
تبدأ النوبة الساعة الثامنة صباحاً. يُدهشك كيف يتحول الهدوء في شوارع المدينة في الصباح الباكر إلى جحيم، تعكس المصابيح الساطعة النظارات الواقية للجميع (التي يلبسها الممرضين). هناك تنافر من السّعال في كل مكان. توقف أنت. غطي فمك. ادخل، هنا الفوضى تعم المكان.
كل مريض هو نفسه تقريباً، صغير، كبير، السّعال وضيق التنفس والحمى. الطاقم قلق بشدة بشأن مريض واحد. يعاني ضيقاً شديداً في التنفس، نمنحه أكبر قدر ممكن من الأكسجين، ولكن لا يزال يتنفس بصعوبة، تقوم بتقييم هذا المريض على الفور.
من الواضح ما هذا وما يجب أن يحدث.
يصبح لديك نقاش طويل وصادق مع المريض وعائلته عبر الهاتف. تخبرهم أنه من الأفضل أن تضعها في دعم الحياة الآن، قبل أن تسوء الأمور كثيراً. يتم الإعداد لذلك عندما يتم إعلامك بمريض آخر مريض جداً.
تحاول الإسراع. المريض الآخر مريض للغاية ويتقيأ. إنه يحتاج إلى دعم الحياة أيضاً.
تضعهم في غرفتين بجوار بعضهما البعض، الاثنان يحصلان على أنبوب تنفس. إنها ليست حتى الساعة العاشرة صباحاً.
بالنسبة لبقية نوبة العمل لمدة اثنا عشر ساعة تقريباً، كل ساعة يتم إعلامك بصفحات من الحالات: شخص مريض جداً، وضيق في التنفس وحمى. الأكسجين ثمانية وثمانون في المئة. إشعار أخر انخفاض ضغط الدم، وضيق التنفس وانخفاض الأكسجين.
إشعار آخر: انخفاض الأكسجين، لا يمكنه التنفس، حمى، هكذا طوال اليوم.
في وقت ما بعد الظهر، تدرك أنك لم تشرب أي ماء. أنت خائف من خلع القناع. هذا هو الشيء الوحيد الذي يحميك. بالتأكيد يمكنك أن تستمر لفترة أطول قليلاً لكن العطش ينهكك.
في وقت متأخر بعد الظهر، تحتاج إلى تناول الطعام. المطعم في الشارع مغلق. صحيح، كل شيء مغلق. ولكن لحسن الحظ كافتيريا المستشفى مفتوحة. تمسك بشيء ما تغسل يديك (مرتين)، تخلع قناعك بحذر وتتناول الطعام بأسرع ما يمكن.
تقريباً كل مريض تراه اليوم هو نفس غيره. نفترض أن الجميع مصاب. نحن نرتدي العباءات والنظارات الواقية والأقنعة في كل لقاء طوال اليوم. إنها الطريقة الوحيدة لتكون آمناً. أين ذهب جميع مرضى النوبات القلبية والتهاب الزائدة الدودية؟ كلهم مصابين بكورونا وجميع من نتعامل معهم مصابين به.
عندما تنتهي نوبتك، تقوم بتسجيل الخروج إلى الفريق القادم.
خلال الأسبوع الماضي، تعلمنا جميعاً العلامات – انخفاض الأكسجين، الخلايا اللمفاوية المنخفضة بشكل غير طبيعي، شظايا بروتين مرتفعة تُعرف باسم D-dimer. تقوم بطلب المساعدة من أصدقائك من الأطباء في جميع أنحاء المدينة.
لتخبرهم أن معدات الوقاية الشخصية تنفذ، المستشفى تنفد منه أجهزة التنفس أيضَاً كل شيء ينفذ.
أنت تخرج وتخلع قناعك. تشعر أنك عار ومكشوف. إنها تمطر، لكنك تريد المشي إلى المنزل. تشعر أنها أكثر أماناً من مترو الأنفاق أو الحافلة، بالإضافة إلى أنك تحتاج إلى تخفيف الضغط. الشوارع فارغة، هذا لا يبدو وكأنه ما يحدث في الداخل. ربما لا يعرف الناس؟
أنت وصلت المنزل. تخلع ملابسك في الرواق. (لا بأس، يعرف جيرانك وأهلك ما تفعله) تضع كل شيء في حقيبة. تحاول زوجتك إبقاء طفلك بعيداً، بالرغم من أنه لم يرك منذ أيام، لذلك من الصعب حقاً عليه. أركض إلى الحمام، أشطف جسمي بالكامل.
لا راحة ولا سعادة حتى بالبيت.
المستشفيات تقترب من أقصى طاقتها. نحن ننفذ من أجهزة التنفس. صفّارات سيارات الإسعاف لا تتوقف. كل شخص نراه اليوم مصاب قبل أسبوع أو أكثر. سوف ترتفع الأرقام بلا شك بين عشية وضحاها، كما فعلت كل ليلة في الأيام القليلة الماضية.
سيأتي المزيد والمزيد من المرضى. و سيتم وضع المزيد على أجهزة التنفس الاصطناعي، وسيموت المزيد، لكن ليس بيدنا حيلة سوى تقليل مدى انتشار الفيروس، و بمساعدتكم نستطيع ذلك.
لقد فات الأوان لوقف هذا الفيروس.
ولكن يمكننا إبطاء انتشاره. لا يمكن للفيروس أن يصيب من لا يلتقي بهم أبداً. ابق في الداخل أرجوك. التباعد الاجتماعي هو الشيء الوحيد الذي سينقذنا الآن. لا أهتم كثيراً بالتأثير الاقتصادي بقدر ما أهتم بقدرتنا على إنقاذ الأرواح.
قد تسمع الناس يقولون أن الفيروس ليس حقيقياً.
قد تسمع الناس يقولون أن الإصابة به ليست سيئة.
أنت فقط قم بدورك. ابق في المنزل. ابق آمناً. وفي كل يوم سنأتي أنا و زملائي للعمل من أجلك.