بقلم أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
قرأت البارحة قصة جميلة حدثت في العراق في العام 1956،
حيث افتقد الأستاذ الجامعي تلميذه العبقري في مرحلة الدكتوراة، فقرر أن يذهب إلى بيته ليزوره فقد اعتقد أنه مريض، وأن لا شيء غير المرض قد يمنعه عن الحضور إلى الجامعة!
وعندما وصل إلى بيت تلميذه، وجد أن البيت عبارة عن غرفة واحدة متصدعة، وأن الطالب فقير جداً بشكل لم يكن يتصوره، وبعد أن قدَّم التلميذ كوب الشاي لأستاذه،
قال له الأستاذ: لماذا لم تعد تحضر إلى الجامعة؟
فقال له التلميذ: العلمُ لا يشتري باقة فجل.
دُهش الأستاذ من كلام تلميذه، وقبل أن يسأله عن سبب قوله،
سارع التلميذ وقال:
يا أستاذي العزيز لقد شعرت بالجوع، ولم يكن معي إلا فلساً ونصف. اشتريتُ رغيفاً بفلس من الفرن، وتوجهت إلى بائع الخضار أريد أن أشتري فجلاً بنصف الفلس المتبقي،
فقال لي: باقة الفجل بفلس!
فقلتُ له: بإمكاني أن أعلمك مسألة في النحو أو أروي لكَ قصة في الأدب، مقابل أن تبيعني الفجل بنصف فلس.
فقال لي ساخراً: علمكَ لا يشتري الفجل!
فعلمتُ أنه على حق، وقررتُ أن أترك الدراسة، وأحصل على عمل يمكنني من شراء الخبز والفجل!
لم يُعلق الأستاذ على كلام تلميذه،
وإنما أعطاه خاتماً ذهبياً، وقال له: بع هذا لي!
وتعالَ غداً إلى الجامعة وسنتحدث، وقام وانصرف!
وبالفعل في اليوم التالي جاء التلميذ ومعه ثمن الخاتم،
فقال له الأستاذ: هذا سعر ممتاز، أين بعتَ الخاتم؟!
فقال له: لقد بعته في سوق الصاغة.
فقال له الأستاذ: ولم لم تبعه لبائع الفجل؟!
فقال له: بائع الفجل لا يعرف قيمة الذهب!
فقال له الأستاذ: وكذلك هو لا يعرف قيمة العلم!
المشكلة يا عزيزي ليس أن علمك ليس له قيمة، وإنما قد بذلته لمن لا يقدره!
يا صاحبي، قصة التلميذ وبائع الفجل تتكرر كثيراً، أحياناً لا نلقى صدىً لما نفعله، ليس لأن الذي نفعله لا قيمة له، بل لأننا نفعله مع من لا يقدره!
إذا قدمتَ الحُبَّ ولم تجنِ إلا الشوك، فهذا لا يعني أن الحُب ليس له قيمة، وإنما يعني أنك قدمته إلى الشخص الخطأ!
وإذا صنعتَ معروفاً مع إنسانٍ وقابله بالإساءة، فهذا لا يعني أن المعروف لا يُثمر في الناس، وإنما يعني أن بعض الناس فقط ليسوا أهلاً للمعروف!
يا صاحبي،
انظر أين تضع نفسك أولاً، ثم اسأل عن نتائج ما تفعل، ربما وردة واحدة في حديقة شاسعة لن تضيف إلى هذه الحديقة كثيراً، ولكن متى ما قطفها عاشقٌ وأعطاها لحبيبته، صارتْ هذه الوردة عندها أجمل من كل باقات ورد العالم.
القضية كلها ليست كيف، وإنما أين؟
ليست متى، وإنما مع من؟
والسلام لقلبك.