بقلم عبدالرحيم الشهري
عند حقن جرعة لقاح كورورنا في العضل، يحدث أمران:
١- يُكوّن جهاز المناعة أجساماً مضادة، بأعداد هائلة، مهمتها تعطيل عمل الفيروس الحقيقي عند دخوله، وشلِّه عن الحركة، حتى تأتي خلايا T القاتلة وتبتلعه وينتهي تماماً. تنتج هذه الأجسام المضادة خلايا B.
إن لم يدخل الفيروس خلال الأسابيع والأشهر التالية للحقن، تبدأ أعداد هذه الأجسام في التناقص حتى تصل لمستوى منخفض جداً لا يكفي للحماية المباشرة والسريعة من الفيروس.
٢- يُكوّن جهاز المناعة ذاكرة ويقوم بتخزينها في قاعدة بيانات ضخمة، تحمل مواصفات الفيروس وتركيبه ونوع الدفاعات
التي تعطله، وتبقى هذه المعلومات لسنوات.
ثبت في أكثر من بلد من البلدان التي انتشر فيها اللقاح باكراً أن المناعة الناتجة من الأجسام المضادة تنخفض لمستويات متدنيةٍ بعد ستة أشهر، وعندها عادت الإصابة، وإن كانت أخف أعراضاً ممن لم يأخذ اللقاح.
بقيت خلايا الذاكرة، لماذا لم تعمل؟
الواقع أنها تعمل، وهي فعالة، ويقوم جهاز المناعة بالاستجابة لها وإنتاج أجسام مضادة حسب الطلب، لكن كثرة المتحورات ربما جعلتها أقل فاعلية، الأجسام المضادة كان تصميمها على النسخة السابقة، وقد لا تعمل بنفس الكفاءة في النسخ الجديدة من الفيروس.
بما أننا لازلنا نسير في زمن الوباء فالاعتماد، بعد الله، على سرعة وكفاية هذه الأجسام المضادة في احتواء الفيروس حال دخوله، أكثر منه على خلايا الذاكرة، وباقي خطوط الدفاع في جهاز المناعة.
من هنا جاءت التوصية بأخذ جرعة ثالثة مقوية من اللقاح بعد مرور ٦ شهور على الجرعة الثانية.
لكل البالغين فوق ١٨ سنة.
س:هل سنحتاج لجرعة رابعة؟
ج: ربما، والأمر مرهون بنتائج الدراسات، وعودة الفيروس، بعد ستة أشهر أو نحوها، لمن أخذ الجرعة المقوية.
س: ولم كل هذا؟ وإلى متى ونحن في جرعات مقوية؟ أليس في هذا إضعاف لمناعتنا الطبيعية؟ لماذا لا نترك المرض ينتشر ويكتسب الناس المناعة؟ ونصل لـ”مناعة القطيع” التي صدعتم بها رؤوسنا مع ظهور اللقاح ثم لم يعد أحد يتحدث عنها؟
ج: كل هذه أسئلة منطقية ويمكن نقاشها. مختصر القول أن ظهور نسخة دلتا في الهند قضى على كل تلك المفاهيم. عاد الوباء لمن أخذ اللقاح بجرعتيه، واتضح أن مبدأ مناعة القطيع لا ينطبق على هذا الفيروس كما انطبق على غيره من الأوبئة، وعاد الوباء يضرب أوروبا، وعادت الدول للإغلاق بما فيها النمسا وقريباً ألمانيا وإيطاليا.
يبقى اللقاح بجرعاته المتعددة حلاً أثبت جدارته، وأغلب الإصابات الشديدة والجديدة بين الرافضين لِلِّقاح، ولم يسلم من العدوى من أخذ اللقاح، غير أنهم أقل أعراضاً.