قصة مدينة إرم
بقلم سديم
قصة مدينة إرم ذات العماد التي ذكرها الله في القرآن وقال عنها سبحانه (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلَاد).
شداد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وهو ملك قوم هود الذي دعاه نبي الله هود إلى الإيمان بالله، فاحتج على النبي بأن ما هي مُكافأة الإيمان بالله. فكان جواب نبي الله هود: أنها الجنة التي عرضها السماوات والأرض و رِضا الله. فتكبر وأراد أن يتحدى الله ونبيه بأن يصنع جنة أفضل من جنة الله.
تبدأ قصة هذا المتكبر الطاغية بأن عاداً الأول كان له ولدان شديد وشداد، فلما مات عاداً حكم شديد فلما مات شديد حكم شداد، وقد كان طاغية متكبراً ولم يبقى أحد من ملوك الأرض إلا دخل في طاعته.
وكان مولعاً بقراءة الكُتب القديمة، وكلما مر به ذكر الجنة وما فيها من القصور والأشجار والثمار وغيرهما مما في الجنة، دعته نفسه أن يبني مثلها في الدنيا عتواً على الله عز وجل، فأصرّ على بنائها، فوضع مائة ملك، وتحت يد كُل ملك ألف قهرمان (أمين الملك و وكيله الخاص).
ثم قال انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها، وابنوا لي مدينة من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت ولؤلؤ. واجعلوا تحت عقود تلك المدينة أعمدة من زبرجد، و أعاليها قصوراً وفوق القصور غُرفاً مبنية من الذهب والفضة.
واغرسوا تحت تلك القصور وفي أزقتها وشوارعها أصناف الأشجار المختلفة والثمار. وأجروا تحتها الأنهار في قنوات من الذهب والفضة، فإني أسمع في الكُتب القديمة والأسفار صفة الجنة في الآخرة والعُقبى، وأنا أُحب أن أجعل لي مثلها في الدنيا.
وكتب إلى كل ملك في الدنيا يأمرهم أن يجمعوا ما في بلادهم من أصناف ما ذكر، فجمعوا ذلك في عشر سنوات، وكان عدد الملوك المُبتلين بجمع ذلك ثلاثمئة وستون ملكاً، وخرج المُهندسون والصناع من سائر البلاد، و تبددوا في البراري والأقطار حتى وقفوا على صحراء عظيمة خالية من الجبال والأودية وبها عيون وأنهار فقالوا:
هذه صفة الأرض التي أمرنا بها، فاختطوا بفنائها وأجروا فيها الأنهار، ووضعوا الأسس والمقدار، وأرسلت إليهم ملوك الأقطار بالجواهر في البحر، حمّلوا بها السُفن الكبار، ووصل إليها من تلك الأصناف مالاً يوصف ولا يُعد ولا يُحصى ولا يكيّف.
فأقاموا في عمل ذلك ثلاثمئة سنة جَدّاً من غير تعطيلٍ أبداً، وكان شداد قد عمّر في العُمر تسعمئة سنة، فلما فرغوا من عمل ذلك أتوه وأخبروه بالإتمام، فقال لهم شداد انطلقوا واجعلوا عليها حصناً منيعاً شاهقاً، واجعلوا حول الحصن قصوراً، وعند كل قصر ألف غُلام، ليكون في كل قصر منها وزيراً من وزرائي.
فمضوا وفعلوا ذلك في عشر سنوات، ثم حضروا بين يدي شداد وأخبروه بحصول القصد. فأمر وزراءه وهم ألف وزير، وأمر خاصته وغيرهم أن يستعدوا للرحلة ويتهيئوا للسفر إلى إرم ذات العماد، فأقاموا للتحضير لذلك عشرين سنة.
ثم سار شداد بمن معه حتى إذا بقي بينه وبين إرم مرحلة واحدة، أرسل الله عليه وعلى من معه ريحاً من السماء بقدرته، فأهلكهم جميعاً بسوط عظمته، ولم يدخل شداد ومن معه من الأمة الكافرة إليها، ولا رأوها ولا أشرفوا عليها.
وقد ذكر الهمداني في مؤلفه (صفة جزيرة العرب) إن إرم ذات العماد كانت في (تيه أبين) وأنها كانت تضُم ثلاثمئة ألف قصر وشيدت أو طُليت بالذهب والفضة والجواهر. وقد استغرق بناؤها خمسمئة عام، وعنها قال الرحالة ابن بطوطة عندما زارها: (هي مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الأعظم).