بقلم عبد الاله
احتلال فيينا عاصمة النمسا كان حلماً راود العثمانيين، لما تُمثِّله من أهمية استراتيجية في القلب الأوروبي، فقد كان العثمانيون في كل مرة يكتفون بالعودة من أسوار فيينا غانمين الأموال، وربما غنموا أجزاء جديدة من أوروبا الشرقية أو الوسطى بموجب اتفاقات مع النمسا.
وبعد بدء التحرك العثماني في عمق أوروبا لصد الألمان، والسيطرة على بعض القلاع النمساوية المهمة، جمع الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) قرة مصطفى باشا مجلس الحرب في جيشه، وأعلن أنه سيتحرك تجاه فيينا، وقد آثار قرار قرة مصطفى باشا حيرة الوزراء.
واعترض عليه الوزير ابراهيم باشا، الذي أكَّد أن رغبة السلطان محمد الرابع هي الاستيلاء على يانق قلعة، ومناوشة أوروبا الوسطى، وأن الحملة على فيينا يحتمل أن تكون في العام المقبل، فأجابه قرة مصطفى باشا: بأنه من الصعب أن يتجمع جيش مرة ثانية بمثل هذه الكثافة والقوة.
فلما سمعت أوروبا بقدوم العثمانيين، اجتمعت لنجدة فيينا من السقوط، وأمر ملك بولندا بنقض عهده مع العثمانيين، وأمر الألمان بالتوجُّه إلى فيينا، فتجمَّعت جيوش من بولندا وألمانيا والنمسا، حتى وصل تعدادها إلى سبعين ألف جندي.
وبعدما شعروا أن سقوط فيينا ليس أمامه إلا أياماً قليلة أقدم الأوربيون على عبور جسر الدونة، الذي يُسيطر عليه العثمانيون بالقوة، مهما كلفهم من خسائر، حيث لم يكن بالإمكان إيصال الإمدادات إلى فيينا دون عبور هذا الجسر.
على الجانب الآخر كان الوزير قرة مصطفى قد وضع قوة عثمانية يقودها أمير القرم مراد كراي عند جسر الدونة، وهو الطريق الوحيد إلى فيينا من الغرب، ليمنع تقدُّم الأوربيين، وأمر مراد كراي بنسف الجسر إذا اقتضت الضرورة.
وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث قام مراد كراي بخيانة عظمى، وذلك أنه سمح للأوروبيين بالعبور من الجسر دون قتال، وذلك بسبب كراهيته لقرة مصطفى، فقد كان مصطفى باشا يكره مراد كراي.
أما مراد فكان يعتقد أن فشل مصطفى باشا في فيينا سيُسقطه من السلطة، ولم يخطر ببال هذا القائد أن خسارة العثمانيين أمام فيينا ستُغَيِّر مجرى التاريخ العالمي، وسينهي الوجود العثماني تماماً في عمق أوروبا.
وفي يوم السبت (عشرين رمضان، سنة ألف وأربع وتسعون هجرية، الواقع في الثاني عشر من سبتمبر، عام ألف وستمائة وثلاثة وثمانين ميلادية) تقابل الجيشان أمام أسوار فيينا، وكان الأوروبيون فرحين لعبورهم جسر الدونة، إلاّ أن مصطفى باشا شنّ هجوماً مضاداً بمعظم قواته، وكان الأتراك يريدون دخول فيينا قبل مجيء المدد الأوروبي ولكن الوقت كان قد نفد.
وفي الوقت الذي أعدَّ فيه المهندسون العسكريون تفجيراً من خلال نفق أعدوه للوصول إلى المدينة بشكل أسرع، اكتشف النمساويون موضعه، فدخل أحدهم النفق، وأبطل مفعول التفجير.
ثم حدثت خيانة عظمى أخرى، من جانب أوغلو ابراهيم قائد ميمنة الجيش العثماني، إذ انسحب من القتال، وكان لهذا الانسحاب الأثر الأكبر في هزيمة العثمانيين، وقد استطاع قرة مصطفى أن ينسحب بصورة منظَّمة من أرض المعركة.
وفي طريق العودة قام قرة مصطفى بإعدام كلٍّ من مراد كراي وأوغلو ابراهيم، ولكن لم يشفع ذلك له عند السلطان محمد الرابع الذي أمر بقىٌله.
كانت هزيمة العثمانيين عند أسوار فيينا نقطة تحول فاصلة في التاريخ العثماني والأوروبي، فقد تسببت هذه الهزيمة في إيقاف التوسع العثماني في أوروبا، بل أدت بعد ذلك إلى تحرك جيوش التحالف المقدس المسيحي لاقتطاع الأملاك العثمانية في أوروبا.
مصادر.
ٲشرف إحسان فقيه.
منتديات الجزائر للابد.