inspiration

دواؤكَ القرٱنُ

بقلمِ فيصل بن تركي

رُويَ أن النبيﷺ كان يستعيذ من “شتات الأمر”، يعني: تفرّقه وعدم انضباطه؛ أن تتصرف في حياتك خبط عشواء، تنشغل عما ينفعك بما لا ينفعك، وتقدم ما حقه التأخير، وتؤخر ما حقه التقديم، يتناثر وقتك الذي هو بعضك فيما لا طائل تحته، وذلك في أمرك كله، في العلم والعمل والعلاقات والاهتمامات والأوقات.

يشبه هذا الشتات للأمر تعبيرٌ قرآني آخر، وهو: (انفراط الأمر) قال الله تعالى: ﴿ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطاً﴾، قال السعدي: ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ﴾ أي: مصالح دينه ودنياه ﴿فُرُطًا﴾ أي: ضائعة مُعطّلة!.

ومن أعظم ما ينتظم به الأمر هو وضوح المعنى الكبير في هذه الحياة وهو العبودية، واستشعاره على الدوام.

 معرفةُ غاية الخلق، الهدفُ الذي تتجه له كل الأهداف الأخرى وتنتظم به.

وأعظم أدواء هذا الاستحضار: الغفلة، واتباع الهوى.

ودواؤهما: الذكر والتذكير.

 تأمّل:﴿أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه﴾.

دوام الذكر والتذكير تحصل به يقظة القلب للإنسان، وتندفع به الغفلة المسببة لهذا الداء، و يتفطّن به مواضع الهوى من مواضع الحق.

قال ابن عثيمين في وصف هذا الذي انفرط عليه أمره: “تجده يبقى الساعات الطويلة وهو لم يحصِّل شيئاً، لكن لو كان قلبه مع الله لحصلت له البركة في جميع أعماله”.

طبيعة الهوى واتّباعه: التفرق وعدم الانتظام؛ لأن شهوات النفس وإراداتها متقلبة تقلباً كبيراً، ولا يضبطها ضابط.

 وطبيعة الدوران مع الحق حيث دار وإرادته: الانسجام والانتظام؛ حينما يكون “نجم الشمال” بالنسبة لكل خياراتك: موقع هذا الاختيار من إرادة الله تعالى؛ هكذا تنتظم أمورك ولا تنفرط.

ويزيد حالة الشتات هذه إذا أُضيف لها مع شهوات النفس وأهوائها أهواءَ غيرها من الناس، وهؤلاء هم من أشقى الناس.

– وهل يتتبع أحد أهواء غيره؟

– نعم، ألست ترى اليوم -مثلاً- ما تخلقه الحياة المادية، في مظاهرها المختلفة، في شبكات التواصل من مشاكل لرغبات الآخرين وأفكارهم وقناعاتهم؟!.

– حسناً، حالة التذكر والاستشعار الدائم لغاية الخلق وللمعنى الكبير من هذه الحياة كيف تتحقق؟

– أعظم ما يحققها التعرض المستمر والمتكرر للقرآن العظيم. سُمِّي القرآن “ذِكْراً” لهذا المعنى، القرآن ينتشلك من الشتات والانفراط في كل مرة تغشاك فيها سُحُب الغفلة، ويذكرك من أنت وإلى أين تسير!.

القرآن لايُجرَّب، بل حقه الإقبال عليه بيقين؛ لكن تجاوزاً أقول: ألست طرقت كل باب تبحث فيه عن صفاء الروح وإشراقها وعُدتَ صِفر اليدين؟ جرب أن تتعرض للقرآن، تعرض الموقن أنه كلام الله، تعرضاً مستمراً متكرراً، وحدثني بعدها عن صفاء الصورة التي ترى فيها الأشياء، واتضاح الغاية، واستشعار المعنى!.

Unable to load Tweets

أخر الإصدارات