كان النوم دائما إضاعة وقت بالنسبة لي، والسهر والنوم لأقل من ثماني ساعات هو المعتاد، لكن في عام ألفين وتسعة عشر قرأت كتاب “Why We Sleep” وأعتبره غيّر مسار حياتي. الكتاب يوضّح الأضرار الصاعقة لعدم النوم، وبعد بحث وتعمّق أكثر في الموضوع، اكتشفت معلومات مهمة كفيلة بتغيير حياتك أيضا، سأسردها هنا:
بداية، ما هو النوم؟ النوم يتكون من خمسة دورات، الدورة الواحدة تستغرق من تسعين إلى مئة وعشرين دقيقة، وكل دورة من النوم تتكون من نوعين من النوم:
NREM Sleep
وهو نوم حركة العين الغير سريعة، ويمثل خمسا وسبعين بالمئة إلى ثمانين بالمئة من فترة النوم الكلية، ولا يحلم المرء فيه، ولكن يرمم الجسم نفسه، ويعيد بناء الأنسجة والعضلات والعظام، وتفرز الهرمونات فيه مثل هرمون النمو.
REM Sleep
وهو نوم حركة العين السريعة وهو يمثل من عشرين إلى خمسة وعشرين بالمئة من فترة النوم الكليّة، وفيه تحصل الأحلام، ويكون نشاط المخ فيه مثل نشاطه أثناء اليقظة، يصدر الجسم هرمونات تقوم بمنع حركة العضلات (لكي لا تقوم بفعل ما تراه في حلمك)
النوم الجيد لا يعتمد فقط على الكمية، بل على الجودة أيضاً، ويمكن استخدام برامج لحساب عدد ساعات نومك وجودة النوم أو الاعتماد على علامتين اقترحهما الكاتب:
١-النعاس وقت الظهيرة علامة على نوم سيء.
٢- احتياجك للكافيين في الصباح أو الظهيرة للقيام بنشاطاتك المعتادة علامة على نوم سيء.
أضرار قلّة النوم:
هناك عدد مهول من الدراسات في جميع أنحاء العالم على الملايين من البشر لعقود من الزمن، وجميعها توصلت لنفس النتيجة: كلما قصر نومك، قصرت حياتك.
هذه الدراسات أثبتت وجود علاقة ما بين قلة النوم مع جميع مسببات الوفاة الرئيسية مثل: أمراض القلب، السرطانات، أمراض الدماغ، السمنة، والحوادث.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، أمراض القلب هي المسبب الأكبر للوفاة عالميا ومن بعدها السكتة الدماغية.
والدراسات كثيرة عن علاقة النوم بهذه الأمراض، ولكن أبرزها هي دراسة في عام ألفين وإحدى عشر على خمسمئة ألف شخص من خمسة وعشرين دولة مختلفة ومن جميع الأعمار والأعراق، توصلت إلى أن النوم لست ساعات أو أقل يزيد نسبة الإصابة بأمراض القلب بنسبة ثمانية وأربعين بالمئة وبنسبة خمسة عشر بالمئة للسكتة الدماغية!
وفي دراسة أخرى في بريطانيا على أربعمئة وواحد وستين ألف شخص، قارنت بين احتمالية الإصابة بالذبحة الصدرية عند من ينام أقل من ست ساعات ومن ينام ثماني ساعات، ومن ينام أكثر من تسع ساعات.
الصورة تلخص النتائج:
أحد أهم مسببات الوفاة في السعودية هي الحوادث، وفي دراسة قامت بتقسيم المشاركين لمجموعتين، مجموعة تعاطوا الكحول لدرجة تمنعهم من القيادة، ومجموعة سهرت لتسع عشرة ساعة، ومن ثم قاموا باختبار تركيزهم وقدراتهم، النتيجة؟ لا فرق على الإطلاق! قدرتك على القيادة هي نفس قدرة شخص سيصطدم بشجرة ويلومها.
إضافة إلى أن من يعاني من قلة النوم يحصل له ما يسمى بـ micro sleep أثناء القيادة، وهو أن الشخص يغفو لأجزاء من الثانية إلى ثلاثين ثانية دون أن يشعر وينتبه، لثواني تنطلق سيارتك دون أي تحكم، وفي سرعة بسيطة مثل خمسين كيلو متر، تستغرق السيارة ثانيتين فقط من عدم الانتباه للانحراف للمسار الآخر.
النوم لمدة ست ساعات وأقل، يضعف جهازك المناعي، ويزيد من نسبة إصابتك بالسرطانات، ويزيد من نسبة إصابتك بالأمراض المعدية.
ففي دراسة من جامعة كاليفورنيا اكتشفت أن النوم لمدة أربع ساعات لليلة واحدة يقضي على أكثر من نصف خلايا Natural killer cells المناعية المسؤولة عن تدمير الخلايا السرطانية والفايروسات، ضربة قاضية لجهازك المناعي بسبب ليلة واحدة فقط من النوم السيء، تخيل بعد أسبوع أو سنة أو نظام حياة كامل؟
قلة النوم توصلك إلى السمنة:
فالنوم القليل يزيد من الجوع والشهية للأكل الغير الصحي ويضعف من قدرة المخ على التحكم بالرغبات، ويقلل من الإحساس بالشبع وخسارة الوزن أثناء الرجيم، ويزيد من خسارة العضلات والتمسك بالدهون بسبب الإخلال بهرمونات الأيض.
في دراسة مميزة قامت بها جامعة شيكاغو، قاموا بجلب مجموعة من الناس وأتاحوا لهم النوم لثماني ساعات ونصف لمدة أربعة أيام، ومن ثم أربع ساعات ونصف لأربعة أيام،
وعرضوا عليهم بوفيه مفتوح ونفس المقدار من الرياضة، في الأيام التي لم ينم فيها المشاركين، قاموا باختيار طعام غير صحي وأكل ثلاثمئة سعرة أكثر.
النوم لخمس ساعات فقط يقلل من نسبة التستوستيرون في جسدك، لدرجة تساوي من هم أكبر منك عمرياً بخمسة إلى عشر سنوات، مما يقلل قدرتك على الإنجاب وقدرتك على البناء العضلي وغيرها من الأمور.
النوم دين لا يمكن سداده، السهر لخمسة أيام والنوم جيداً في نهاية الأسبوع لا يعوّض ما فقدته، ولا يرجع قدراتك الجسدية والعقلية لسابق عهدها، ومع الأسف، ما يزيد الأمر صعوبة أننا لا نستطيع تقييم مدى حرماننا من النوم ونقوم دائما بتقليل مدى تأثّر قدراتنا.
لأن قلة النوم تقلل من نشاط جزء من الدماغ يسمى prefrontal cortex وهو المسؤول عن تقييم الذات واتخاذ القرارات.
ويزيد من نشاط جزء آخر يسمى amygdala المسؤول عن معالجة المشاعر السلبية مثل الخوف والغضب.
مما يعني أنك عندما لا تنام بشكل كاف، ستتعامل وترى الأمور بطرق سلبية أكثر، وترد بطرق مبالغ بها، وتكون أكثر مزاجية وسبباً للمشاكل.
السهر في الليلة التي تعلمت وذاكرت فيها يفقدك فرصة تثبيت المعلومة في الذاكرة مهما نمت بعدها، بسبب عدم حصول عملية فيزيولوجية مهمة تسمى بـ consilidation (تحويل ما تعلمته من ذكرى قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد)
النوم القليل أو الكثير يخل بقدرة جسمك على التحكم بمعدلات السكر في الدم، مما يزيد من صعوبة التحكم بالسكر ومقاومة الأنسولين للمصابين بداء السكري.
ويزيد من احتمالية إصابة الشخص السليم بالنوع الثاني من داء السكري.
فتزيد نسبة إصابتك تسعة بالمئة لكل ساعة تقل وأربعة عشر بالمئة لكل ساعة تزيد عن سبع إلى ثماني ساعات نوم. ست ساعات نوم تساوي تسعة بالمئة زيادة في احتمالية الإصابة.
خمس ساعات نوم تساوي ثمانية عشر بالمئة.
تسع ساعات نوم تساوي أربعة عشر بالمئة.
عشر ساعات نوم تساوي ثمانية وعشرين بالمئة.
وهكذا…
قلة النوم مرتبطة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب، والقلق، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ADHD عند الأطفال.
النوم يقوم بتنظيف المخ، وتخليصه من البروتينات المسببة لألزهايمر وأمراض النوم، ومنها قلة النوم والنوم ذو الجودة السيئة تضاعف من احتمالات الإصابة بألزهامير، بل أن خمسة عشر بالمئة من جميع المصابين بألزهايمر في أمريكا سبب إصابتهم الرئيسي كان مشاكل نومهم.
فوائد النوم:
على عكس الأضرار، بالنوم المنتظم والجيد يمكن قلب كل الأضرار إلى فوائد، فالنوم الجيد يحسّن من ذاكرتك وتركيزك، ويجعلك تبدو أجمل، ويقلل من نسب إصابتك بالسرطان والخرف وأمراض القلب والدماغ، والسكري، والسمنة، والأمراض المعدية، وأخيراً يجعلك أكثر سعادة وأقل قلقاً.
العديد من الدراسات أثبتت أهمية النوم والذاكرة، النوم قبل المذاكرة يزيد من قدرة المخ على ربط المعلومات وتذكرها.
والنوم بعد المذاكرة ولو لقيلولة فقط، يزيد من قدرة مخك على تذكر ما تعلمته حتى مقارنة مع من ظل يراجع ما تعلم -أثناء نومك- وخاصةً قدرتك على استذكار ما تعلمته على المدى الطويل.
يمكنك اعتبار اليقظة كفترة لاستقبال المعلومات والتجارب والتعلم عن العالم، نوم الـNREM للتفكير وحفظ وتخزين هذه المعطيات، وإعادة كل ما تعلمته تلك الليلة عشرات المرات وبطرق مختلفة ونسيان كل ما لا يهم.
نوم الـREM لدمج وتوحيد هذه المعلومات مع جميع ما تعلمته وقمت بتجربته في حياتك، مما يتيح لك عند استيقاظك حلولا لمشاكل الأمس أو أفكار إبداعية لم تكن تخطر على بالك، وتأثيرا نفسيا جيدا لبداية يوم مشرق جديد.
النوم يحسن شكلك وجمالك؛ في دراسة قارنت بين أشكال الأشخاص وجاذبيتهم بعد ثماني ساعات من النوم وبعد خمس ساعات، عندما نام المشتركون لثماني ساعات زاد تقييم الناس لجاذبيتهم وجمالهم وصحتهم ورغبتهم في التعرف عليهم.
وأخيراً كيف تحسن من نومك؟
هذه نصيحتان لتحسين نومك:
١-أول وأهم نقطة هي النوم والاستيقاظ في نفس الوقت طوال الوقت، ثبّت وقت نومك لكي تتقدم في حياتك.
٢-وثانيا قلّل من النيكوتين والكافيين خاصةً في الليل.