بقلم الدكتور عاصم العقيل
عندما تخصصت بالطب النفسي تفاجأت من أحوال الآخرين، فكل شخص تعرفه وتعتقد أن ظروفه ممتازة، كأن يكون غنياً، أو لديه منصباً، أو أسرته تبدو لك متماسكة، قد يخفي معاناة لا يعلمها إلا الله، ومصائب مؤلمة، ومشاكل يشيب لها الولدان، فهو قد يظهر للناس بشكل لا يعكس واقعه الحقيقي.
ولذلك لو تحدث الناس لبعضهم عن أحوالهم الحقيقية، لاختفت كثير من مشاعر الكراهية والحسد والغيرة، وتعاطفوا مع بعضهم، وأصبحوا أكثر إنسانية ولطفاً ورحمة، إنهم لا يعلمون أن الوجه المبتسم قد يخفي ألماً، وصاحب المظهر الجميل قد يكون وراءه جروحاً عميقة.
فدعَ الناس وشأنهم، فلو جلست معهم وصارحوك لتأثرت بأحوالهم، ولبكيت لأجلهم ربما، وحتى خصمك ستتعاطف معه، وعندما تشتد عليك دنياك، لا تقل ليتني مثل فلان، لربما فلان لديه مرض عضال أو أعز الناس لديه، وقد يواجه مشاكل تفقد الإنسان متعة الحياة، فأرجوك ركز على دنياك.
وعندما تنظر له وهو سعيد أمامك، أنت ترى جزءاً بسيطاً من حياته، ربما في ماضيه أحداث مؤلمة تؤرق الإنسان وتزهده بالحياة، أو مستقبله، تتحول حياته من رخاء وجمال إلى قحط وكدر، ألم يقل الله سبحانه ( لقد خلقنا الإنسان في كبد)، كل سيذوق من كأس الشدة وعلى حسب إيمانه يبتلى.
لذلك إذا ابتليت بشيء أو واجهت مصيبة اعلم أنك لست وحيداً فيما تواجهه. You are not alone ولكن غيرك يتعرض لمثل ما تواجه وربما أشد، فعش مشاعرك كاملة، وخذ وقتك، ثم استجمع قواك، وانهض للحياة، شاور، وتكلم مع مختص، ولا تتوقف عن صناعة سعادتك حتى عند أسوأ الظروف.
من الطبيعي ربما أن الكثير لا يظهرون الضعف الذي عندهم، ولا يتكلمون عن مشاكلهم، وربما تراهم في أفضل صورهم، عدم تكلمهم لك لا يعني أن وضعهم جيد، وإنما خوفهم من نظرة الناس وأحكامهم ربما تدفعهم لإخفاء معاناتهم، هم مثلك يعيشون في دنيا متقلبة، لا أحد يضمنها مهما كان منصبه وماله ونسبه.
لذلك أعظم نصيحة أقدمها لك، اجعل تفكيرك منصباً على حياتك، وعائلتك وأحبابك ومن يعز عليك، تعلم كيف تتكيف مع الضغوطات، كيف تحل المشاكل، وأن تكون مرناً مع التغيرات، تعلم كيف تتعامل مع مشاعرك، وكيف تتجاوز الصدمات باستشارة المختص، وأن تعمل وتنشغل بحياتك.
حينها ستتجاوز الصعوبات بإذن الله، وتتخطى التحديات، وتصنع من نفسك شخصية عظيمة، فأنت قد استغليت الظروف لصقل مهاراتك، وتأسيس جديتك، إننا لا نتغير عادة إلا بالظروف القاسية، لم تضيع وقتك، وإنما سخرتها لخدمتك، حتى إذا مر وقت الشدة، وذهب الظلام، وجاء الفرج، انطلقت.
بنَفَس جديدة، وروح شابة، وهمة استثنائية، وصفات نادرة، فأنت قد صبرت على الأمور العظام، واختبرت، ولقد هبت رياحك فاغتنمها بذلك الفرج، لتنقلب دنياك الصعبة الى نور وعز وتمكين، حتى إذا التفت للوراء قلت الحمد لله، ابتسمت بكل رضا وتقول لقد هيأ لي الطريق لأن أكون ما أنا عليه اليوم.
لتتعلم حينها لغة العطاء والبناء والحب والنماء، تجاوز مشاعر الحقد والكره والحسد والغيرة، لأنك كبير، ونفسك راقية، قد ربيتها وأدبتها، فأصبحت سامية وأكثر إنسانية، وأجمل روحاً، وأصفى قلباً، هنيئا لك، فافتخر بذاتك أيها الإنسان الرائع.