بقلم محمد يكتب
“اكتب إنساناً، لا تكتب شخصية على ورق”
نصيحة سمعتها بالتأكيد، لكن كيف تكتب هذا الإنسان؟
عشر خطوات لكتابة شخصيات “إنسانية”، مع الأمثلة:
1) لا تحدد لائحة لصفات شخصياتك.
من الأخطاء التي وقعت فيها كثيراً، هي أنني أكتب صفات الشخصية كنقاط وأقول هذا يكفي، عندها صفات كافية وهذا خطأ؛ إذا كان الهدف كتابة إنسان، فالإنسان عنده صفات دقيقة ومختلفة، لا تحدد بلائحة من عشرة إلى عشرين صفة وتقل انتهينا هكذا.
الطريقة الأصح:
تبني شخصيتك بشكل كامل، من ناحية معتقدات، صفات، ذكريات، طفولة، مثلًا:
محمد منفصل عن الناس، ولا يسمح لأي أحد أن يقترب منه، لأنه عاش في عائلة ترى أن مشاركة مثل هذه التفاصيل ضعفاً وتسخر منها.
بهذه الطريقة أعطيت شخصية محمد اعتقاداً، فهمت وبنيت جزءاً من شخصيته، وكتبت له سبباً منطقياً وماضٍ في صفة واحدة.
2) كم شخصيتك معقّدة؟
لا تضع هدفاً واضحاً لشخصيتك وهذا كل شيء، مثال:
محمد يريد أن يعمل في مدينة ثانية غير مدينته، لماذا؟ يفترض ألا يكون السبب “مدينته لا تعجبه” لأن في عالمنا الحقيقي الأسباب معقدة أكثر مثلاً:
يريد أن يبتعد عن أهله.
حبيبته في مدينة أخرى.
يريد أن يتخلص من ماضيه.
3) إلى ماذا تتوق شخصيتك؟
شخصيتك الرئيسية يجب أن يكون عندها رغبة، ومستعدة لأن تحرق نفسها لكي تصل إليها، هذه الرغبة في أقوى صورها. تجعل القارئ نفسه يدخل العالم ويساعدها من كثرة ما هذه الرغبة أثرت عليه.
4) التعاطف مع الأسباب أهم من التعاطف مع الشخصية.
فكر بآخر شخصية مجنونة شاهدناها “ثانوس”، ما هي رغبته؟ أن يذبح نصف العالم.
فكر بسبب تعاطف كل هؤلاء الناس معه، لأنه في طفولته كوكبه كله تدمر بسبب شح الموارد.
لا أحد يتعاطف مع شخص يذبح نصف الكون، لكن مع الأسباب القوية، الجميع يتفهم على الأقل لماذا.
5) قناع شخصيتك.
مِثلنا نحن البشر، شخصيتك عندها قناع “يحميها” من الناس، مثلاً:
محمد يُظهر للجميع أنه قاس، ولو قالوا له أخوك مات، لا يظهر أية مشاعر.
لكن ماذا يوجد وراء هذا القناع؟
مِثلنا نحن البشر، قناعنا غالباً يكون بسبب موقف في ماضينا.
عندما كان محمد صغيراً، أبوه اعتاد أن يتهمه بالدلع والأنثوية لأنه يظهر مشاعره.
حسناً، ماذا وراء القناع؟
الذي وراء القناع أن محمد حساس، ويهتم بالناس ويتأثر من أصغر الأشياء، وهذا الشيء الذي وراء القناع لا يظهر إلا نادراً وفي أكثر اللحظات يأساً.
6) اجعله متناقضاً.
بغض النظر عن آراء تويتر، كلنا متناقضون.
مهمتك هي اختيار تناقض مثير للإهتمام أو متعلق بالقصة، مثلاً:
محمد جاف في التعامل مع جده الذي في آخر عمره، لكن عنده جار مسنّ يجلس ويضحك معه، ويُظهر له وجهاً آخر غير ما يظهره لأحد.
هنا يكون واضح أنه يوجد قصة وراء التناقض. يجذب قارئك.
7) اهتمامات، مهارات وهوايات.
اختصر هذا الجانب في سؤال تسأله لنفسك:
ما هي الأشياء غير الرئيسية التي تثير الإهتمام في شخصيتك؟
8) التصرف الفاضح.
محمد كاتب فقير، يعيش على رزقه اليوميّ، وأيام لا يأكل وجباته الثلاثة حتى، في يوم من الأيام جاءته ثلاثة آلاف ريال وبدل أن يؤمن نفسه لشهر، دفع النقود لدار نشر ونشر روايته الأولى.
بهذا التصرف الصغير، أصبحت تعرف صفاتاً كثيرة عن محمد، تعرف أنه كاتب طموح، مجنون قليلاً، تعرف أنه مغامر وأنه لا يريد أن يعيش في نفس المكان للأبد.
عندما يكون لشخصيتك “تصرف فاضح” نعرف كثيراً عنها بشكل طبيعيّ، فلا نحتاج عشرين سطراً لتقول لنا فيه كم تحب شخصيتك الكتابة.
9) كيف ترى شخصيتك العالم؟
شخصيتك عندها قناعات من قبل أن تبدأ القصة حتى، وجهة نظرها التي أتت من وجهة نظرك ككاتب، هي أكثر شيء مثير في القصة.
تخيل محمداً غاضباً على الكرة الأرضية كلها، ويعامل الناس كأنهم أعداؤه، شكاك ويرى كل فعل وراءه أهداف خفية، كم ممتع أن تقرأ قصة من وجهة نظره؟
10) التفاصيل، التفاصيل، التفاصيل.
ركز، فهذه النقطة مهمة جداً.
سأعطيك مثالاً، لكنه ليس الطريقة التي تبني فيها جملة:
محمد فتى عشريني، عيونه سوداء، وشعره أسود قصير، وأحياناً يتركه ليطول، وله لحية سوداء فيها فراغات.
محمد شخص بخيل جداً.
هذا الوصف سيء جداً، لماذا؟
حسناً، ما المثير في شخصية محمد؟ لماذا لا تقول بدل أن شعره أسود وعيونه سوداء وتسكت، تقول:
فتى في الثالثة والعشرين، عيونه سوداء ناعسة، يتساقط عليها رمشه الطويل الناعم كحريرية شعره القصير، أما لحيته السوداء فلا تتصل إلا من الجهة اليسرى من وجهه، وفراغٌ كبير يحول بين جهتها اليمنى ووجهه.
رغم ملايينه إلا أن الفقر بادٍ في قسماته، الفتى لا يبدو إلا كمن لا يملك قوت يومه رغم أنه يملك قوت حياته.
لاحظ في المثال الأول أعطيتك تفاصيل تجعلك لو شاهدت محمداً في الشارع تعرفه، وحذفت التفاصيل المهمة، وفي الثاني أعطيتك وصفاً يجعلك عندما تقابل أحداً تحدثه عن بُخل هذه الشخصية الغريبة، دائماً ضع في بالك أن الوصف الدقيق أفضل بألف مرة، لأنك تساعد القارئ على التخيل والتذكر.
إذا شككت بقوة شخصيتك، اسأل نفسك هذه الأسئلة:
– بماذا تختلف شخصيتك؟
– ما الذي يجعل وجهة نظرها مختلفة؟
– كيف ترى شخصيتك الناس؟، وكيف ترى نفسها؟
– ما هي عيوب شخصيتك؟ (لا أقصد عيوباً سطحية مثل ساذج، عيوب تؤثر على وجهة نظره وكيف يرى العالم).
– وأخيراً، هل شخصيتي جديرة بالاهتمام على الأقل بقدر ما أنا جدير به؟