عندما تذكرُ الفلسفةَ أو الفلاسفةَ في الوطنِ العربيِّ غالباً ما تجد نظراتِ الاستهجانِ والريبة، والسؤال الذي يطرحُ نفسهُ دائماً، هو ما الفائدة من هذا العلم والأفكارِ التي آمن بها أناسٌ في عصورٍ غابرة لا تعكسُ حياة وقيمَ البشرِ اليومَ وليسَ لهم تأثيرٌ يذكرُ على نمو وتطورِ المجتمعات.
بل عملتْ معظمُ الدولِ العربيةِ على التخلصِ من تدريسِ الفلسفة في مدارسها كونهم يعتبرونها فكراً مضاداً للدين ولفئةٍ مختارة من المفكرينَ والمهتمين بالشأن الفلسفي، وهي العلةُ التي تغلّبَ عليها الغربُ حيثُ جعلَ الفلسفةَ أم العلوم في الكليات والجامعات الراقية، ولابدَّ أن يدرسَ الطالبُ مبادئ علومِ الفلسفة،
وتاريخها وأبرزَ مفكريها ومدارسها ليوسّع آفاقهُ ونظرتهُ للحياةِ ويفهمَ تطبيقاتِ المنطقِ الرياضي في اتخاذ القرارِ والمنهجيةِ العلمية للتفكيرِ والإقناعِ والحوار والنقد والتصنيف والتفْنيد، وكيف ينظرُ للكونِ وباقي المخلوقاتِ فيه وليسَ لأخيه الإنسانِ فقط وتعلّم فلسفةِ مبادئ الأخلاقِ والمنطق.
ولا تعدُّ الفلسفةُ علماً يهتمُّ بمجالٍ معين، بل هي التفكيرُ في التفكيرِ وتدّبرُ المرءِ للعالمِ الماديِّ والحسيِّ وما وراءَ العالمِ المرئيِّ والمحسوسِ في محاولاتٍ دائمةٍ للوصولِ للحكمةِ وماهيةُ المعرفةِ بالنفسِ والبيئةِ الخارجيةِ المحيطةِ بالإنسان وما يقفُ خلفها من قوىً محركة.
وبدلاً من فهمِ الحياةِ أصبحَ علماً تطبيقياً يعملُ الباحثونَ فيهِ لمعرفةِ ما هي الطريقةُ المثلى لعيشِ الحياة، وهي فلسفةُ العلمِ والتجربة في عصر النهضةِ ثم الفلسفاتُ الوجوديةُ والإنسانية ومذاهبُ الحداثةِ وما بعد الحداثة والعدمية.
الفلسفةُ طرحُ السؤالِ والتشكيكِ في كلِّ شيءٍ وعدمُ ربطِ العقل بثوابتٍ فوق النقد والمراجعةِ ولكن لماذا ترتبطُ الفلسفةُ بتقدمِ الغربِ على باقي الأمم في وقتنا الحاضرِ مع باقي الأمم التي اهتمتْ بالفلسفة، والجواب هو أنَّ كلَ العلومِ تبدأ بفرضياتٍ وحدسٍ خاصٍ يتمُّ إخضاعهُ للتجربةِ والبحثِ للوصولِ لنتيجةٍ مجربة ومثبتة.
ومسألةُ وصولِ الباحثِ للفرضياتِ هي عمليةٌ عقليةٌ فلسفيةٌ تلتزمٌ بخصائص التفكيرِ الفلسفيِّ الرياضيِّ التجريديِّ قبل خوضِ غمارِ التجربةِ العلميةِ الموضوعية، وهو ما ارتقى بالعقلِ الغربي في البداية، وهي القفزةُ النوعية التي تحسبُ لهُ ولا يزال ليومنا هذا عقلٌ فلسفي. ونحن في بلداننا العربيةِ نزدري الفلسفة.
الفلسفة هي أساسُ كل العلومِ لشموليتها واعتمادها على النظرياتِ ثم التطبيق للتأكدِ من النتيجة، ويقال إنَّ الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني “فيثاغورس” هو من أطلق علمَ الفلسفة.
طاليس هو أولُ الفلاسفةِ اليونانيين ثمَّ افلاطون، سقراط، أرسطو، والعديدُ من الأسماءِ الأخرى من الذينَ بنى العالم علومهُ وطورها نتيجةً لفلسفاتهم ونظرياتهم.
أفلاطون تعلّمَ من أرسطو الذي برزَ هو الآخرُ في العلومِ مثلَ علم الطبيعة وعلم الفلك وعلومَ الأحياء والفيزياءِ والرياضياتِ ايضا، وتأثرَ أفلاطون بسقراط الذي أطلقَ عليه فيلسوفَ الأخلاقِ حيثُ برعَ في علم الأخلاقِ والسياسة.